لا يمكن لحياة الإنسان أن تستوي أو أن تستقيم على نمط واحد، وإذا ما قمنا بربط هذا الأمر مع حقيقة أن النفس البشرية هي نفس ضعيفة في نهاية المطاف، تستطيع وبكل سهولة أن ترتكب أكثر الأمور شناعة وبشاعة، سواء في حق نفسها أم في حق الآخرين أم في حق الله تعالى، فيجب عندها أن نستنتج مباشرة وبمنطق بسيط أن الدين السماوي يجب أن يكون فيه طريقة للرجوع عن الخطأ، فأتباع الأديان السماوية يوقنون ويعلمون أن الله تعالى هو خالقهم، وهو أعلم بما يدور في عقولهم وما يوجد في صدورهم أكثر منهم هم أنفسهم، لهذا السبب ومنطقياً فأي دين ينزله الله تعالى على رسول من رسله سيتضمن بالضرورة على طريقة للرجوع عن الذنوب والمعاصي التي يرتكبها أتباع هذا الدين ومن آمنوا به.
لم تخل أيّة رسالة سماوية من المفهوم السابق، فالرسل وخلال فترات دعوتهم صادفوا أشخاصاً أخطأوا أخطاءً كبيرة وتعد من أكبر الذنوب، فقد روى التراث الديني للرسالات السماوية العديد من القصص المشهورة التي تبين رحمة الله تعالى بالإنسان وتوبته عمن أخطأ ورجع إلى طريق الفضيلة بعد أن عصاه وخرج عن أوامره، ولعل من أشهر القصص قصة تيه بني إسرائيل والتي لا تخفى على أحد، فبعد ما بدر منهم من وقاحة وقلة أدب اتجاه موسى واتجاه الله تعالى وأثناء عقابه لهم بأن تاهوا في الصحراء لمدة طويلة من الزمن بحيث لم يستطيعوا الخروج منها، لم ينسهم الله تعالى من فضله فكان يرسل المن والسلوى عليهم ليأكلوا وكان يرسل السحاب من فوقهم لتظلهم من حرارة الشمس العالية، وبعدها تاب الله تعالى عليهم وأنهى محنتهم بأمر من عنده. أما مريم المجدلية وهي المثال الأكبر على الإنسان الخاطئ المذنب، فبعد أن تابت على يد السيد المسيح – عليه الصلاة والسلام - أصبحت من أهم تلاميذه وأصبحت من دعاة الخير والرحمة ومن أشهر دعاة المسيحية ممن حملوا الرسالة بعد انقضاء فترة رسول الله تعالى عيسى، ومن أشهر قصص التراث الإسلامي قصة من تابوا ممن تخلفوا عن غزوة تبوك فقد نزلت مغفرة الله تعالى عنهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة بعدما ظهرت توبتهم و بان رجوعهم عن خطئهم وندمهم على ما كان منهم ومن أشهرهم الصحابي الجليل كعب بن مالك – رضي الله عنه -.
طريق التوبةالتوبة والرجوع عن الذنب لها طريق واحد، فأولاً يتوجب على الإنسان المذنب أن يعترف بخطئه وأن يندم عليه أشد الندم، ويتوجب أن تدخل الحسرة إلى قلبه عن كل ثانية قضاها الإنسان بل أهدرها من عمره الثمين في هذا الأمر ولنا وقفة بسيطة هنا.
الندمفهدف الندم ربما يكون أمران: الأمر الأول هو أن يندم الإنسان على مخالفته لأمر الله تعالى وعصيانه لإرادته وأن يندم على انحرافه الواضح والصريح عن الخط الذي ارتضاه الله تعالى للإنسان وعن المنهج القويم الذي خلق الله تعالى الإنسان ليسير عليه، والأمر الثاني هو أن الندم يجب أن يكون بهدف إدراك قيمة الوقت فالوقت هو نعمة عظيمة من نعم الله تعالى علينا وله قدسية هائلة وكبيرة لدرجة أن سب الزمن هو من أفحش الكلام، فالزمن له أهميته وله ارتباط وثيق بالله تعالى وهو من مخلوقاته المقدسة التي لا يجوز الإساءة إليها سواء بالقول أو بالفعل، والإساءة إلى الزمن قولاً كما ذكرنا تكون بسب الزمن وسب الأيام أما إهانة الزمن فتكون عن طريق استغلاله بممارسة الأمور غير المفيدة التي لا تنفع ولا تضر والتي تسيء إلى الإنسان وإلى كرامته بشكل كبير، فالمعاصي جميعها التي حرمها الله تعالى في كتابه الكريم تجتمع على نقطة هامة جداً وهي أنها جميعها تهدر كرامة الإنسان، ولنا أن نتخيل ما يمكن مثلاً لمعاصٍ مثل الخمر والربا وغيرها أن تفعله بكرامة الإنسان، فهذه المعاصي تنتهك قدس الأقداس " الكرامة والحرية " فالخمر على سبيل المثال يوصل الإنسان إلى درجة قد يتعامل فيها الناس معه وهو في حالة السكر الشديد بأقدامهم وبما هو أسوأ بالضرب وبما هو أسوأ ربما بالاعتداء الجنسي خاصة إن كانت امرأة وخاصة أكثر إن كانت جميلة، أما الربا فهو أيضاً من أكثر الأمور التي تهدر الكرامة البشرية، حيث أنه يجعل المدين مخنوقاً ومسلوب الحرية والإرادة وفاقداً لقدرته على التصرف بأمواله بالإضافة إلى أنه يكون عرضة للاستغلال الدائم من قبل الجشعين، فإن أمعنا النظر بكافة المعاصي المحرمة لوجدناها جميعها تشترك بهذه الصفة.
عدم العوده للذنببعد الندم على المعصية يتوجب أن يعاهد الإنسان ربه بعدم الرجوع إلى هذه المعصية والذنب مرة أخرى كما ويتوجب أن يكثر الإنسان من أداء الأعمال الصالحة التي تعيد الإنسان إلى طريق الخير والصواب وتبعده عن المعاصي والذنوب وتعوض ما فاته من مضيعة لوقته. وترجع إليه كرامته التي فقدها بسبب هذه الذنوب.
كل ابن آدم خطاءليس هناك من هو معصوم عن الخطأ، والناس ومن يقدحون بالمخطئين ليسوا ملائكة، فكل نفس أدرى وأعلم بما سُرَّ فيها وأخفي، فالنفس وعاء قد تحتوي الصالح والطالح والذنب والطاعة، وغالبية المعاصي تكون سرية، أي بين العبد وربه فقط، ولا يضطلع أحد عليها، فإن حدث وارتكب أحدهم معصية معينة كثر منتقدوه ومن يزايدون عليه، ولا يعلم هؤلاء أن الله تعالى هو يعصمهم عن فعل ما فعله المذنب، هذا إن افترضنا أنهم لا يمارسون نفس الذنب أو أفظع منه خفيةً، ولكن الله ستر عليهم هذا الذنب لحكمة يعلمها هو. والأعجب من هذا أنهم يدعون أن منبع غضبهم من هذه المعصية هو الخوف على محارم الله من أن تنتهك والحديث هنا موجه إلى العامة الغوغائيين الذين يتربصون بواسطة عقلهم الجمعي السلبي بكل من يخطئ وبواسطة من برر لهم غضبهم هذا من علماء الدين، وليسوا كلهم للإنصاف، فنسبة كبيرة منهم واعون ومدركون لحقيقة أن الله هو الستار الذي يستر على من يشاء ويفضح من يشاء، ويعلمون أيضاً أن الله تعالى لو أراد أن يفضح إنساناً معيناً لفضحه ولكنه أخفى عن الناس ذنبه لحكمة يعلمها هو، وهم واعون ومدركون لحقيقة أخرى وهي أن فضيحة هذا الشخص قد تكون سبباً في هدايته وفي شدة محبة الله تعالى له، لأنه يريد أن يهديه وأن يجنبه العذاب في الآخرة وأن يخفف عنه من هذا العذاب في الدنيا وأن هذه الفضيحة ربما تكون سبباً في هدايته ورجوعه عن هذه المعصية.
يدعي هؤلاء المتربصون بأخطاء الناس وعوراتهم أن غضبهم وازورارهم عن هذا المذنب هو لله تعالى، ولكن هذا التفسير ربما يكون ليس دقيقاً، فتفاعل الناس مع المعصية يعود أساساً إلى العادات والتقاليد التي تتبع المناطق الجغرافية وتتنوع بتنوع المجتمعات المختلفة، فالزنا والربا والسرقة وغيرها من المعاصي التي حرمها القرآن الكريم لها كلها نفس المرتبة عند الله تعالى من ناحية الحرمة، ولكن واقع هؤلاء يعاكس ويُضاد منهج الله تعالى الموضح في القرآن الكريم فالناس وبعض علماء الدين – وكما قلنا ليسوا كلهم فالبعض منهم مصلحون ويدركون هذه الحقائق وربما يذهبون بعلمهم إلى آفاق أبعد من ذلك – لا يكترثون بجريمة الربا في مقابل انتفاضهم عند ذكر الزنا أو مثلاً لا يكترثون لفساد من يبنون الأبنية التي تنهار بنفس الدرجة التي يكترثون فيها للزناة، وفي الوقت نفسه لا يكترثون للزاني في حين يصابون بالهلع عندما تزني امرأة. فالتقاليد والعادات البالية التي أوصلت الأمة إلى ما وصلت إليه بالتآمر مع البعض من علماء الدين ممن فضلوا الشهرة على مكاشفة الناس بسلبياتهم التي تسبب تأخرهم إلى هذا الحد الرهيب بين كافة الأمم.
المقالات المتعلقة بكيف تكون التوبة من الكبائر